سورة فاطر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


هذه آية تذكير بصفات الله تعالى على نحو ما تقدم، وهذه المحاورة إنما هي في أمر الأصنام وفي بعث الأجساد من القبور، وقال تعالى: {خلقكم من تراب} من حيث خلق آدم أبانا منه، وقوله {ثم من نطفة} أي بالتناسل من مني الرجال، و{أزواجاً} قيل معناه أنواعاً، وقيل أراد تزويج الرجال النساء، وقوله تعالى: {ومن يعمر من معمر ولا ينقص من عمره} اختلف الناس في عود الضمير في قوله {من عمره}، فقال ابن عباس وغيره ما مقتضاه أنه عائد على {معمر} الذي هو اسم جنس والمراد غير الذي يعمر، أي أن القول يتضمن شخصين يعمر أحدهما مائة سنة أو نحوها وينقص من عمر الآخر بأن يكون عاماً واحداً أو نحوه، وهذا قول الضحاك وابن زيد لكنه أعاد ضميراً إيجازاً واختصاراً، والبيان التام أن تقول ولا ينقص من عمر معمر لأن لفظة {معمر} هي بمنزلة ذي عمر.
قال القاضي أبو محمد: كأنه قال ولا يعمر من ذي عمر ولا ينقص من عمر ذي عمر، وقال ابن عباس أيضاً وأبو مالك وابن جبير المراد شخص واحد وعليه الضمير أي ما يعمر إنسان ولا ينقص من عمره بأن يحصي ما مضى منه إذا مر حول كتب ذلك، ثم حول، ثم حول، فهذا هو النقص، قال ابن جبير ما مضى من عمره فهو النقص وما يستقبل فهو الذي يعمر، وروي عن كعب الأحبار أنه قال المعنى {ولا ينقص من عمره} أي لا يخرم بسبب قدرة الله، ولو شاء لأخر ذلك السبب.
قال القاضي أبو محمد: وروي أنه قال: حين طعن عمر لو دعا الله تعالى لزاد في أجله، فأنكر عليه المسلمون ذلك وقالوا: إن الله تعالى يقول {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة} [الأعراف: 34، النحل: 61] فاحتج بهذه الآية وهو قول ضعيف مردود يقتضي القول بالأجلين، وبنحوه تمسكت المعتزلة، وقرأ الحسن والأعرج وابن سيرين {ينقِضُ} على بناء الفعل للفاعل أي ينقص الله، وقرأ {من عمْره} بسكون الميم الحسن وداود، والكتاب المذكور في الآية اللوح المحفوظ، وقوله {إن ذلك} إشارة إلى تحصيل هذه الأعمال وإحصاء دقائقها وساعاتها.


هذه آية أخرى يستدل بها كل عاقل ويقطع أنها مما لا مدخل لصنم فيه، و{البحران} يريد بهما جميع الماء الملح وجميع الماء العذب حيث كان، فهو يعني به جملة هذا وجملة هذا، والفرات الشديد العذوبة، والأجاج الشديد الملوحة الذي يميل إلى المرارة من ملوحته، قال الرماني هو من أججت النار كأنه يحرق من حرارته، وقرأ عيسى الثقفي {سيّغ شرابه} بغير ألف وبشد الياء، وقرأ طلحة {مَلِح} بفتح الميم وكسر اللام، واللحم الطري الحوت وهو موجود في البحرين، وكذلك {الفلك} تجري في البحرين، وبقيت الحلية وهي اللؤلؤ والمرجان، فقال الزجاج وغيره هذه عبارة تقتضي أن الحلية تخرج منهما، وهي إنما تخرج من الملح وذلك تجوز كما قال في آية أخرى {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [الرحمن: 22]، وكما قال: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} [الأنعام: 128]، والرسل إنما هي من الإنس، وقال بعض الناس بل الحلية تخرج من البحرين، وذلك أن صدف اللؤلؤ إنما يلحقه فيما يزعمون ماء النيسان، فمنه ما يخرج ويوجد الجوهر فيه، ومنه ما ينشق في البحر عند موته وتقطعه، فيخرج جوهرة بالعطش وغير ذلك من الحيل، فهذا هو من الماء الفرات، فنسب إليه الإخراج لما كان من الحلية بسبب، وأيضاً فإن المرجان يزعم طلابه في البحر أنه إنما يوجد وينبت في موضع بإزائها انصباب ماء أنهار في البحر وأيضاً فإن البحر الفرات كل ينصب في البحر الأجاج فيجيء الإخراج منهما جميعاً.
قال القاضي أبو محمد: وقد خطئ أبو ذؤيب في قوله في صفة الجوهر: [الطويل]
فجاء بها ما شئت من لطمية *** وجهها ماء الفرات يموج
وليس ذلك بخطإ على ما ذكرنا من تأويل هذه الفرقة، و{الفلك} في هذا الموضع جمع بدليل صفته بجمع، و{مواخر} جمع ماخرة وهي التي تمخر الماء أي تشقه، وقيل الماخرة التي تشق الريح، وحينئذ يحدث الصوت، والمخر الصوت الذي يحدث من جري السفينة بالريح، وعبر المفسرون عن هذا بعبارات لا تختص باللفظة، فقال بعضهم المواخر التي تجيء وتذهب بريح واحدة، وقال مجاهد الريح تمخر السفن ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام.
قال القاضي أبو محمد: هكذا وقع لفظه في البخاري، والصواب أن تكون {الفلك} هي الماخرة لا الممخورة وقوله تعالى: {لتبتغوا} يريد بالتجارات والحج والغزو وكل سفر له وجه شرعي.


{يولج} معناه يدخل، وهذه عبارة عن أن ما نقص من {الليل} زاد {في النهار}، فكأنه دخل فيه، وكذلك ما نقص من {النهار} يدخل {في الليل} والألف واللام في {الشمس والقمر} هي للعهد، وقيل هي زائدة لا معنى لها ولا تعريف وهذا أصوب، والأجل المسمى هو قيام الساعة، وقيل آماد الليل وآماد النهار، ف أجل على هذا اسم جنس، وقرأ جمهور الناس {تدعون} بالتاء، وقرأ الحسن ويعقوب {يدعون} بالياء من تحت، والقطمير القشرة الرقيقة التي على نوى التمرة هذا قول الناس الحجة، وقال جوبير عن رجاله القطمير القمع الذي في رأس التمرة، وقاله الضحاك والأول أشهر وأصوب، ثم بين تعالى أمر الأصنام بثلاثة أشياء كلها تعطي بطلانها،: أولها أنها لاتسمع إن دعيت، والثاني أنها لا تجيب أن لو سمعت وإنما جاء بهذه لأن لقائل متعسف أن يقول عساها تسمع، والثالث أنها تتبرأ يوم القيامة من الكفار، ويكفرون بشركهم أي بأن جعلوهم شركاء لله فأضاف الشرك إليهم من حيث هم قرروه، فهو مصدر مضاف إلى الفاعل، وقوله {يكفرون} يحتمل ان يكون بكلام، وعبارة يقدر الله الأصنام عليها ويخلق لها إدراكاً يقتضيها، ويحتمل أن يكون بما يظهر هناك من جمودها وبطولها عند حركة كل ناطق ومدافعة كل محتج فيجيء هذا على طريق التجوز كما قال ذو الرمة: [الطويل]
وقفت على ربع لمية ناطق *** يخاطبني آثاره وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه *** تكلمني أحجاره وملاعبه
وهذا كثير، وقوله {ولا ينبئك مثل خبير} قال المفسرون قتادة وغيره الخبير هنا أراد به تعالى نفسه فهو الخبير الصادق الخبر نبأ بهذا فلا شك في وقوعه، ويحتمل أن يكون قوله {ولا ينبئك مثل خبير} من تمام ذكر الأصنام، كأنه قال: ولا يخبرك مثل من يخبر عن نفسه أي لا أصدق في تبريها من شرككم منها فيريد بالخبير على هذا المثل له، كأنه قال: {ولا ينبئك مثل خبير} عن نفسه وهي قد أخبرت عن نفسها بالكفر بهؤلاء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5